17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف| يوليو وإعادة اكتشاف البدهيات

إيقاع مختلف| يوليو وإعادة اكتشاف البدهيات

"دون عشق لا زعامة" أذكر أن هذا كان عنوان مقالى الأول على صفحات المشهد، وهو المقال الذى برئت فيه من تهمة "الناصرية" ، وقلت إننى لست درويشاً من دروايش عبد الناصر الذين عليهم أن يدافعوا حتى عن أخطائه، كما أعربت عن دهشتى من أن ينتسب إنسان إلى إنسان آخر مهما بلغت درجة إعجابه بما قام به، ولكننى أعلنت فى جلاء لا يحتمل الشك أو التأويل أننى أنحنى احتراماً لهذه التجربة المذهلة التى بدأت مع ثورة يوليو وكشفت عن عشق فريد لهذا الوطن، بل للأمة كلها.

كان هذا منذ حوالى سبع سنوات تقريباً، واليوم أرانى مضطراً للحديث فى بدهيات أصبحت فى أيامنا الملتبسة بحاجة إلى طرحها وكأنها اكتشافات، أصبحنا بحاجة لأن نذكر كيف كانت ثورة يولية بوابة للتحرر الوطنى بدءاً من خروج الاستعمار البريطانى من بلادنا إلى تحرير الإرادة المصرية والعربية من التجليات الاستعمارية الجديدة، وأصبحنا بحاجة إلى الدفاع عن قوانين الإصلاح الزراعى التى أعادت أرض مصر إلى فلاحيها البسطاء الكادحين الصابرين، وأصبحنا بحاجة إلى إزالة الالتباس عن القوانين التى حفظت للعامل المصرى كرامته الإنسانية من ناحية وفتحت أبواب العدالة الاجتماعية من جانب آخر، أصبحنا نحتاج إلى نذكر أنفسنا بالنهضة الصناعية الكبرى التى كانت تتجلى فى مشروعات بحجم مصانع الحديد والصلب بحلوان والتبين ومجمع الألومنيوم بنجع حمادى والهيئة العربية للتصنيع ، و...و إلخ.

أصبح علينا أن نتحدث مجدداً عن قناة السويس وتأميمها، أو عن السد العالى وبنائه، أو البعد القومى وإيقاظه، أو البعد الإفريقى والوصول به إلى قمة مده، أو المكانة المصرية ليس فقط فى المجموعة العربية أو مجموعة عدم الانحياز أو فى دوائر التحرر فى  العالم، بل فى العالم من مشرقه إلى مغربه.

ثم صار علينا أن نتحدث عن النهضة التلعيمية الجارفة التى أتاحت لملايين البسطاء من أمثالى أن يجدوا لهم مكاناً حقيقياً تحت شمس الله المضيئة لا الحارقة، والتى جعلت للعلم عيداً يحضره رئيس الجمهورية ليقول للدنيا كلها إن العلم على رأس أولويات الوطن، وفتحت الباب أمام بعثات علمية عادلة يحظى بها المتفوقون الحقيقيون من أبناء البسطاء، صار علينا أن نتحدث عن عصر الأحلام الكبرى الذى بدأ بالقرى المصرية وهى تفتح عينيها لتجد فى كل واحدة خمسة مشروعات متجاورة، مدرسة ومستشفى وخزان لضخ المياه النقية، ووحدة اجتماعية كنا نسميها "المجمع"، فضلاً عن الجمعية الزراعية التى تجعل الفلاح المصرى فى عينها وقلبها.

أصبحنا نسمع مقولات مضللة عن أن القاهرة كانت أجمل مدن الدنيا ففيها الجرسون اليونانى والحلاق الإيطالى والطباخ الفرنسى والعمال القبارصة، وأن مصر كانت تدين بريطانيا بعدة آلاف من الجنيهات الاسترلينية، وهى مقولات صحيحة فى مجملها، ولكنها تنسى أن  مصر ذاتها لم تكن للمصريين، وأن الجموع الحاشدة من المصريين كانت غريبة فى وطنها، فمن من آبائنا أو أجدادنا كان يطهو له الفرنسى أو يحلق له الإيطالى أو يناوله اليونانى كأسه فى البار؟!

لست بحاجة إلى أن أقول إن ثورة يوليو كانت بوابة كبرى للعدالة الاجتماعية التى تعيد مصر للمصريين، ولكننى بحاجة إلى أن أعترف بأن الطريق لم تكن وردية دائماً ولا مثالية دائماً، ولا مبرأة من الأخطاء الصغرى والكبرى، وأنا بحاجة أكبر إلى أن أقول : اتقوا الله فى أنفسكم وفى أوطانكم. 

-----------

بقلم: السيد حسن

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة